مفاوضات “حماس” من الإنكار الى “النصر”! بقلم بكر أبوبكر

مفاوضات

بكر أبو بكر

تدرجت عملية الاعتراف بوجود الاتصالات والمفاوضات بين “حماس” مع الاسرائيليين من الانكار الكلي الى شكل أولي خجول، ثم أصبحت صريحة مع تحفظ على طبيعتها تمييزا عن غيرها تلك “العبثية”، تدرج الاعتراف بها من القول أنها (حوارات)* وليست مفاوضات، الى (دردشات) وليست مفاوضات ، وهي غير مباشرة، وهي مبررة كما يقول د.محمود الزهار لأن تنظيمه المحصن ربانيا وبالمقاومة من يمارسها، لذا لن يأتي المفاوضَ الباطلُ لا من بين يديه ولا من خلفه، الى أن أصبح الاعتراف مصحوبا بالاعتزاز الذي قد يتحول غدا الى نصر، كما الحال في مفهوم “النصر” لدى “حماس” الذي أدى لوقوع آلاف الشهداء ثمنا للحفاظ على عناصر “حماس” وليس العكس.

كان بإمكان “حماس” ان تتنازل قليلا عن عنجهيتها المتمثلة بالتنظير المستمر أننا أصحاب مشروع المقاومة الوحيدين، وأننا المسلمون الوحيدون.

وكان بإمكانها أيضا– في ظل وجود الشرفاء والعقلاء فيها – أن تتخلى عن وهج السلطة التي جاءت بها بعد صبر طويل للإخوان المسلمين في العالم على طبق من دم.

وكان يمكنها أن تُحسِن الظن بالآخرين، ولا تتبع أسلوب الحملات التشهيرية والتشكيكية بالآخرين ، واتهامات الخيانة التي طالت الكبير والصغير في السلطة الوطنية وحركة فتح وبعض الفصائل الأخرى، لتصل شعبنا كله في الضفة.

بل كان يمكنها أن تقدّم معبر رفح لحرس الرئيس كما الاتفاق، وتمكّنه من عمله، لا بوضع العراقيل والاشتراطات المتواصلة عليه وعلى أداء الحكومة.

بل و كان يمكن ل”حماس” أن تعدّل من خطابها التحريضي على الأقل كبادرة حسن نوايا، تلك التصريحات الصادحة في الاعلام وخطب الشتائم والتكفير والتخوين حتى من على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم، كان بإمكانها فعل الكثير لكنها أحجمت في ظل التيارات المتصارعة داخلها، فاتبعت أسلوب (إثارة الغبار) والتهويش على المفاوضات من خلال الحملات التضليلية المتصلة التي قادها صلاح البردويل** ومشير المصري ويحيى موسى وغيرهم من على منصات صواريخ الفضائيات المتخصصة بالفتنة التابعة ل”حماس” غزة، ضد الكل الآخر.

كان لا بد من افتعال معارك جانبية طورا مع الرئيس، وفي طور آخر مع المخابرات، وفي غيره مع السلفيين في غزة ، وكان لا بد من التفجيرات والاعتقالات والتعذيب في السجون والاستدعاءات والمنع من السفر وفرض الاتاوات ، وإبقاء حالة التوثب مع حركة فتح بكيل شتى التهم التي لم تخرج عن نطاق التخوين، كل ذلك للتغطية-على ما ظهر- على المفاوضات مع الاسرائيليين التي أُنكرت من الجميع في البداية، بل واتهم من يقول بجودها في دينه ووطنه وشرفه كالعادة.

إن كان ما تسرب عن مضمون المفاوضات عبر وسطاء بين “حماس” و(اسرائيل) صحيحا ***فإنه طامة كبرى، لعدة أسباب لم تعد خافية على أحد، سأوجزها:

أولا : تجاوزت “حماس” الشرعية الوطنية الشاملة، وفتحت كفصيل دكانا خاصا ومسارا مباشرا مع العدو، دون اعتبار للكل الوطني أو السلطة أو المنظمة فحققت حلم شارون منذ انسحب من غزة بالقضاء على وحدانية التمثيل الفلسطيني.

ثانيا : حققت الحلم الاسرائيلي بإعادة السيطرة على القطاع برضا “حماس” دون السيطرة على السكان (دوريات “حماس” على الحدود، وعمال غزيون يدخلون (اسرائيل) ، وميناء بسيطرة اسرائيلية مباشرة ، ووقف المقاومة للأبد … الخ).

ثالثا : إن صحت مضامين الاتفاق فإن “حماس” التي قرعت جرس الانتفاضة في الضفة الغربية طورا ضد العدو وطورا ضد السلطة ولم تنجح رغم ادعاءات أن السلطة تمنعها ، تمارس اليوم في غزة حالة المنع والتي ستزداد بعد الاتفاق، بالمنع لأي نشاطات مقاومة أوانتفاضة ضد الاحتلال من الحدود أو عبرها.

رابعا : نكرر متمنين ألا يكون هناك اتفاق كما كتبت الصحف، للمصلحة الوطنية ومصلحة “حماس” ذاتها ، نكرر إن صح ما حصل وان الاتفاق يضع الميناء تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة فإن ذلك يشكل (ثقة)بالمحتل وتنسيق (يسمونه خياني) مقابل قوات السلطة التي كان من المفترض أن تتسلم معبر رفح ولم تمكنها “حماس” من ذلك، فمن الاولى ومن الاجدر.

خامسا : إن وقف المقاومة من قطاع غزة لعدة سنوات فيما يسمونه “هدنة” يضع آلاف التساؤلات على عمليات التعويق للوصول الوطني الموحد لصيغة معينة مع الاسرائيليين منذ كان يطالبهم الراحل ياسر عرفات بوقف الصواريخ ويصرحون أنها لن تتوقف إلا في تل أبيب ( )، ويضع تساؤلا على قيمة آلاف الضحايا في الحروب الثلاثة على غزة، والدمار الهائل بلا ثمن.

سادسا : إن خضوع “حماس” للضغوط الاقليمية من جهة لسبب الانخراط الكلي في محور “الاخوان المسلمين” الموجوع جعلها تتفق مع الاسرائيلي ولو على حساب الكلّ الوطني فحولت القضية الى قضية انسانية بحتة يفكون فيها أزمة الحركة عبر التحجج بتلبية مطالب الشعب بفك الحصار والاعمار، غير آبهين في الحقيقة إلا باستمرار سيطرتهم على القطاع التي ظهرت أنها الهدف الأسمى الذي تدور حوله سياسات “حماس” و”الإخوان” إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

إن انتصارات “حماس” والعبرة بالنتائج تتمثل اليوم بالتضحية بالتمثيل الفلسطيني الموحد الذي صنعناه بالدم، وبتحويل القضية من سياسة وجودية الى انسانية فقط، وبالعبث بدماء الشهداء، وإثارة المعارك الجانبية وادعاء الحصانة الربانية، اضافة الى النصر بالتنازل أمام العدو وليس أمام الأخ، كل ذلك وأكثر يدلل قطعا على منهجية الفكرة المسيطرة والمستبدة ويدلل على النهج غير المنضبط، كما يدلل على تغول التيار الاسرائيلي في “حماس” كما كان في غيرها من التنظيمات.

نعود للقول ان كان ما أعلن عن الاتفاق بين “حماس” والاسرائيلي صحيحا فإن إمارة غزة “للاخوان المسلمين” تصبح أبدية على حساب فلسطين، ويسقط التمثيل الفلسطيني الموحد الى الأبد، وتنهار كل دعاوي “حماس” بالقداسة والمقاومة وتخوين الآخرين.

بل ونضيف لنؤكد ان كان الاتفاق بين فصيل “حماس” والاسرائيلي صحيحا، تكون المصلحة الحزبية قد غلبت، وفكرة وواقع الإمارة أسقطت فكرة المقاومة، ويكون خطاب المفاصلة والفسطاطين: نحن أهل الجنة وانتم أهل النار، وخطاب نحن منهج المقاومة وانتم التسوية قد سقط. كما يسقطون الراية الموحدة لفلسطين.

هوامش:

* (وهناك بعض الاطراف الاقليمية أجروا “حوارات” مع الاسرائيليين ومع اطراف عربية ووجدوا ان هناك مصلحة لحل مشاكل غزة مقابل اعادة تثبيت وقف اطلاق النار ونقول بالنسبة لنا هذا المشروع لا مشكله لدينا فيه-خالد مشعل في لقاء مع فضائية البي بي سي عربي في برنامج بلا قيود في 15/7/2015)

الكاتب الإخواني من الأردن ياسر الزعاترة منكرا المفاوضات أو الدردشات، يعلق على دردشات د.أحمد يوسف من قيادة “حماس” حانقا تحت عنوان: (حول «دردشات أحمد يوسف» وردود السلطة) في 3/5/2015  (ويبقى أن عليهم-يوجه الخطاب ل”حماس”- أن يلجموا أمثال أحمد يوسف حتى لا يشوّهوا هذا التاريخ، أو يسمحوا للمتصيدين في المياه العكرة باستغلال تصريحاتهم في معرض التشويه، وإذا لم يلتزم، فليترك الحركة، وليذهب “يدردش” مع من يشاء كما يحلو له!!) ويكذّب أحمد يوسف القائد في “حماس” زياد الظاظا على إذاعة اجيال في 28/4/2015 بالقول بوضوح وجلاء حول المفاوضات غير المباشرة مع الاسرائيلي (في البداية وفي النهاية الموضوع كله لا أساس له من الصحة فلا يوجد هنالك لا دردشات ولا مفاوضات ولا مناقشات) ** ضمن حملات التشهير المتواصلة منذ سنوات، يقول صلاح البردويل نصا من مقابلة واحدة فقط، في نموذج، وغيره من عشرات النماذج (“التنسيق الامني ليس مطلبا اسرائيليا، انما مطلب للسلطة”، “هم يريدون ان يعودوا الشعب الفلسطيني ان العمالة وجهة نظر”، “قادة التنسيق الأمني لا يطلبون من الامريكان دولة على حدود 1967 انما يطالبون بسيارات دفع رباعي”، “القيم الجديدة ودين التنسيق الامني هو ان يهزأ من اعداد الشباب نفسيا وجسديا”، “هذه رسالتهم للعالم، نحن راقصين وتعالوا لتحريرنا،وماذا وسيعطيك العالم (دولة ام كاباريه)”) (صلاح البردويل في لقاء فضائية الأقصى التابعة لحماس غزة في 12/8/2015)

(“الذي أعطى هذه الحماية للمستوطنيين بزيادة العدوان والتصعيد هي سياسات السلطة”، ثم يضيف بالقول: “لن يكون هذا إلا بعزل القيادة لأنها أصبحت عبأً على شعبنا الفلسطيني وأصبحت سند وظهير للاحتلال” -يحيى موسى قناة القدس 8/8/2015)

وفي تعليق لمشير المصري على جريمة قتل الطفل علي الدوابشة (السلطة ايضا مشاركة في هذه الجريمة) في قناة حماس من غزة في 1/8/2015 ، وفي 23/7/2015 يقول وصفي قبها مثلا (السلطة تكافئ الاحتلال بالاعتقال السياسي) بينما يقول مشير المصري في ذات المقابلة (لا أبو مازن ولا كل أزلام أبو مازن ولا كل أرباب التنسيق والتخابر الأمني مع العدو الصهيوني أوقفوا جريمة واحدة ضد أبناء شعبنا.) ويعلق المذيع على قناة الأقصى التابعة لحماس-غزة في ذات اللقاء بالقول متهكما “لو أن من قتل مستوطن، لرأيت أبو مازن (كبيرهم الذي علمهم السحر)هو الذي يدين عملية قتل المستوطن”.

*** في الإشارة بوضوح لوجود اتفاق: (هناك وسيط تحرك له تأثير على الطرف الإسرائيلي، والهدف من الموضوع هو التخفيف من معاناة شعبنا، هذا ليس اتفاق سلام مع العدو، ونقول إن كل ثوابتنا ما زالت قائمة وهذا الاتفاق لن يتم التوقيع عليه دون موافقة الفصائل وربما يتم التوقيع على هذا الاتفاق بالقاهرة)-د.أحمد يوسف على قناة “فلسطين اليوم” في 17/8/2015.

أضف تعليق